صلاح حامد

قصص و روايات

ابن الحمار.. وابن الكلب.. وابن الغزال

كان في أحد الاسطبلات معشر من الحمير . وذات يوم أضرب   جحش   صغير عن الطعام . فضعف جسده وتهدّلت أذناه . فأنفرد به الحمار الأب وقال له : ما بك يابني .. لقد أحضرت لك افضل أنواع الشعير . وأنت لاتزال رافضا الأكل.. هل أزعجك أحد؟
رفع  الجحش  رأسه وخاطب والده قائلا: نعم يا أبي .. انهم معشر البشر.. ألم ترهم كلما قام احدهم بفعل مشين . يقولون له يا حمار.. ويصفون أغبياءهم بالحمير . أنحن حقا كذلك ؟
ارتبك الحمار الأب برهة. ولكن سُرعان ما حرّك أذنيه يُمنة وييسرة . ثم تحاور معه بمنطق الحمير . قال : الله فضّل البشر علي سائر المخلوقات . لكنّهم أساءوا لأنفسهم . فانظر مثلا.. هل رأيت حمارا يسرق مال اخيه الحمار . أو ينهب طعامه كما يفعل البشر ؟
هل رأيت حماراً يشتم أخيه الحمار . أو ابناءه . أو زوجته ؟
هل رأيت زوجات الحمير وبناتهم يتسكعون في الشوارع والمقاهي؟
هل سمعت يوما أن الحمير الأمريكان يخططون لقتل الحمير العرب . لسرقة الشعير؟
قال الجحش : لا .. رد الأب : اذن أطلب أن تحّكم عقلك الحميري . وأن ترفع رأسك عاليا وتفخر بكونك حمار ابن حمار . واتركهم يقولون ما يشاؤون .. أعجبت هذه الكلمات الجحش . وراح يلتهم الشعير وهو يقول: نعم سأبقي كما عهدتني ياأبي .. حمار ابن حمار وأفتخر.
والحقيقة أننا نظلم الحمار بوصمه بالغباء والبلادة . مع أنه من أذكي الحيوانات . فهو محتال كالثعلب . و  ضليع   في الجغرافيا. إن مشي طريقاً حفظه. وإن أكل طعاماً استطيبه. وإن سمع كلاماً كتمه. وإن حُمّل ثقلاً تحمّله. فلا يشكو ولا يبكي و لا يهشّ ولا ينشّ .. كما أنه نافع ومفيد. ويسهّل حياة الكثير من البشر. وهو الأصمّ الذي لا ينطق ليدافع عن نفسه. فلا يسعه إلا أن ينهق ويرفس الهواء .
ويسب البشر الكلب أيضا . مع أن الحسن البصري رحمه الله قال : في الكلب عشر خصال محمودة ينبغي أن تكون في كل مؤمن: الأولي : لا يزال جائعًا حتي يطعم. وذلك من آداب الصالحين. والثانية: لا يكون له موضع يعرف به. وذلك من علامة المحبين . والثالثة: أنه لا ينام من الليل إلا قليلاً. وذلك من صفات المحسنين . والرابعة: إذا مات لا يكون له ميراث. وذلك من أخلاق الزاهدين . والخامسة: أنه لا يترك صاحبه وإن جوعه وطرده. وذلك من شيم المريدين . والسادسة: أنه يرضي من الدنيا بأدني مكان. وذلك من إشارة المتواضعين . والسابعة: أنه إذا غلب علي مكانه تركه وانصرف إلي غيره. وذلك من علامة المتواضعين . والثامنة: أنه إذا ضرب وطرد ودعي أجاب ولم يحقد. وذلك من أخلاق الخاشعين. والتاسعة: أنه إذا حضر شيء للأكل قعد ينظر من بعيد. وذلك من أخلاق المساكين . والعاشرة: إذا رحل من مكانه لا يرحل معه شيء ولا له شيء يلتفت إليه. وذلك من صفات المجردين.
أما الغزال فقد لحمه الشهي . وجبة أساسية في طعام الكهنة المصريين منذ 7000 سنة ق.م . وكان الملوك يقدمونه كهدايا ثمينة .. والعرب يشبهون المرأة بالغزال . في رشاقتها وخفة حركتها .. ومع ذلك المعروف عن الغزال أن ذاكرته ضعيفة . لذلك لم يستطع الإنسان أن يروضه ويدّربه. كما روض الفيلة والنمور والأسود والدببة ... أليس من غير اللائق أن نكيل ألوانا من السباب . للحمير والكلاب   المحترمين   . ونتمحك في الغزلان الغبية . التي لا تصلح إلا للشواء . علي موائد الأغنياء .. فقط ؟!

اضيف بتاريخ: Monday, May 28th, 2012 في 05:58

كلمات مجلة أدب: ,

تواصل مع المؤلف

رسالتك:
اسمك المستعار:

بريدك الالكتروني:

ادخل حاصل جمع 3 + 1 بالاسفل:
 

شارك بالتعليق الآن