توماس جورجيسيان من واشنطن

سيرة حياة

راي برادبري صاحب رواية فهرنهايت 451

رحل عن عالمنا منذ أيام الكاتب الأمريكي الشهير راي برادبري وهو اسم معروف في أدب الفانتازيا والخيال العلمي وصاحب رواية "فهرنهايت 451".
والرواية هزت ومازالت تهز ضمير عشاق الكلمة والمعرفة منذ أن صدرت عام 1953 وقرأها الآجداد والآباء والأحفاد علي مر العقود ليقفوا بحذر وخوف وقلق وغضب أمام رغبة السلطة الاستبدادية وأصحاب القرار في التخلص من الكتب بمنعها واحراقها. والرواية تحولت الي فيلم عام 1966 من اخراج الفرنسي فرانسوا تروفو لتنتشر الدعوة بشكل أوسع من أجل حماية الكتب أمام توحش التليفزيون وبطش الشمولية وأيضا من أجل الدفاع عن حق الانسان وحريته في المعرفة والاختيار والخيال والابداع. واسم الرواية مستمد من درجة حرارة حرق الكتب.
ويقول الكاتب الشهير عن حياته ¢عندما ولدت في عام 1920 كانت السيارة في ال 20 فقط من عمرها. والراديو كان لم يوجد بعد وكذلك التلفزيون .. اذن أنا ولدت في الوقت المناسب لكي أكتب عن كل تلك الأشياء¢. ومن هنا جاءت كتاباته ليضع في سطور قصصه القصيرة أكثر من 600 قصة "وثنايا رواياته" اكثر من 27 رواية تفاصيل حياة لم يعيشها بعد قارئه واختراعات لم يستعملها بعد وان كان حلم أحيانا بوجودها في واقعه. وكل هذا السرد والحكي عكسه بأسلوب جذاب وأخاذ كأنه أسطورة تاريخية وخيالية تسرح في المستقبل. وقد تعرف برادبري وكان يحب أن يوصف ب  كاتب الفكرة  علي هذه العوالم من خلال انفتاحه علي الحضارات الانسانية ومنها المصرية القديمة. وما يلفت الانتباه بأن كاتبنا لم يتمكن من الذهاب الي الجامعة ولكنه واظب علي ارتياد المكتبات ونهل من أرففها الآداب والعلوم والحكمة والمعرفة. وقد بدأ الكتابة مبكرا ولم يتوقف ولم يكل أو يمل أو يتكاسل فكانت الحصيلة ضخمة ومتنوعة وممتدة عبر 70سنة كتابة وبيع أكثر من 8 مليون كتاب في 36 لغة.
وهو يتحدث بعشق وحب عن الكتاب "النسخة الورقية الأصيلة" يشير الي تفضيله اياه عن النسخة الالكترونية فيذكر لأن للكتاب رائحة مصر القديمة! وفي موقف آخر وهو يشير الي كتابة روايته الشهيرة يقول:¢كيف استطعت أن أكتب كل هذه الكلمات في زمن قصير؟ استطعت بسبب المكتبة. فكل أصدقائي وأحبائي فوق الأرفف كان يصرخون في كي أكون مبدعا وأنا كنت أصعد وأهبط السلالم جريا لكي أجد كتبا وعبارات منها استخدمها في روايتي القصيرة  رجل المطافئ  وكان هذا الاسم الأولي للرواية الشهيرة.¢ ثم يضيف : وعليك أن تتصور كم كان مثيرا أن تكتب كتابا عن حرق الكتب وذلك في حضرة المئات من أحبائي فوق الأرفف. لقد كان أفضل طريقة لكي أكون مبدعا. وهذا هو ما تفعله المكتبة.  رواية "فهرنهايت 451" بدأت واكتملت في تسعة أيام في بدروم مكتبة جامعة كالفورنيا بلوس انجلوس وبواسطة آلة كاتبة استأجرها برادبري.
ولم يتردد عشاق أدبه في القول بأن برادبري هو من حلق بنا في آفاق جديدة بعيدا عن واقعنا المعاش والأهم أنه لم يرض أن يهبط بنا من جديد علي الأرض. وهذه هي تحديدا ما نسميها انطلاقة الخيال أو سرحة الابداع التي تأخذك من الراهن مهما كان زمانك ومهما كان مكانك لتكتشف ما هو جديد والأهم أن تكتشف نفسك وما لا تعرفه عن نفسك. وهذه ميزة من مزايا القراءة ¢كنا فين وبقينا فين¢ وطبعا الحكاية أكبر وأعمق من مجرد معلومة ومعرفة. ومهمتنا ألا ندع الكتب تحترق أو تعلوها التراب بسبب اهمالنا أو رفضنا للمعرفة أو ترددنا أو ربما نفورنا من اكتشاف أغوار أنفسنا!
ويذكر أن برادبري الذي رحل عن دنيانا يوم الثلاثاء الماضي الموافق 5 يونيو 2012 وكان يبلغ من العمر 91 عاما كان حريصا أن يؤكد وأن يطالب منذ سنوات بأن تكتب فقط علي شاهد قبره عبارة "مؤلف فهرنهايت 451".
والصحف الأمريكية كما اعتادت أمام رحيل مثل هذه الشخصيات العظيمة والمؤثرة لم تكتب وتنشر كلمات رثاء للفقيد الذي رحل بل نشرت سطور تقدير وثناء للشخص احتفاءا بآثره وبصمته وحكمته وما تركه أمانة في رقبتنا وذاكرتنا. فالفقيد العزيز مثلما هو الحال مع راي برادبري بكتبه وآرائه وتحليقاته باق معنا.. يجب أن يبقي معنا طالما لنا ذاكرة ولم يجرفنا النسيان أو النكران.

اضيف بتاريخ: Monday, June 11th, 2012 في 00:47

تواصل مع المؤلف

رسالتك:
اسمك المستعار:

بريدك الالكتروني:

ادخل حاصل جمع 6 + 0 بالاسفل:
 

شارك بالتعليق الآن