غادة نبيل

نقد ادبي

طيور سوداء

الجسد تيمة لا يمكن تجاهل هيمنتها -في الذهنية الجمعية لأحد- خاصة في المجتمعات المحافظة المدعية للورع وفي الشعوب المحكومة بأنظمة دينية قامعة.
الفن مثل الجسد.. حقل تمرد يتواصل مع الجسد. يتخيله. يستحضره. يؤسطره ضمن سماوات يصنعها غير خاضعة للمنظومة الأخلاقية المعتمدة لهما من الأنظمة الدينية. الغالب ان يسبق قمع الجسد قمع الفن. وان يستعين الأول بحرية الثاني أطول فترة ممكنة وأوقاتا ينتظر منه قبلة الحياة. الجسد ذكوريا أو أنثويا يتنفس في التصوير الفوتوغرافي الفني والفوتوغرافي المفاهيمي. يتشبث المصورون الذين سأذكرهم اليوم بحالة طاغية للجسد. هناك محاولات تمثلها الفنانة العمانية ناديا العمري بنسائها في حالة الوحدة والعزلة المطلقة. بحصار يسلم للانكفاء وتشرنق الحركة "جسد بصيغة الجمع". كذلك تقدم المخرجة والمصورة الإيرانية المهاجرة للولايات المتحدة شيرين نشاط/ نشأت حالة جمالية في الفيديوهات المصورة بموسيقي انعتاقية نوستالجية تصب فيها حنينها علي ما أصابها بالصدمة لدي أول عودة لها لإيران بعد الثورة وهي التي تربت في أسرة تميل إلي التغريب. نشأت تراوح في إخراجها بين مظاهر الحنان وتعبيرات القسوة لتخلق التوتر الفني ولديها رسالة سياسية نسوية. أعمالها تحاور حالة المنع. عسكرة مظهر الأنوثة. عسكرة عقلية الجماهير. في أعمال مثل "صيف" و"نساء الله" و"ممسوسة" و"عبور" و"محتدمة" العالم كابوس فإن كان حلو فهو حلم مكتوم. أبيضها وأسودها أحيانا تخترقهما تيوليبة ملونة تبدو -قصدا- مقحمة بتلوينها كرتوش الصور القديمة أو كالمحاولات الفاشلة لتلوين أفلام الأبيض والأسود بشكل مفتعل تشويهي. ربما تريد القول إن العودة للزمان الحر. زمن الألوان الحقيقية حتي مع سيادة الأبيض والأسود يمكن استقبالها فقط بعد تشوه مرحلي. الوردة نافرة الغرابة بالألوان تبدو اصطناعية مقابل ثبات البندقية المضادة بالأسود.. بعد كل السواد المفروض علي الحواس في نظام يجرم الفن وخاصة حين يقترب من منطقة خيال امرأة ورؤيتها لمجتمع يقف ضد فرادة الإنسان وحق جسده وروحه في الخروج عن منطق الجماعة الحاكمة. تستخدم الخط والشعر الفارسي للكتابة عليوجوه بطلاتها الصامتات. نساء الميليشيا الحزاني والحسيات. كتابة علي أرجلهن. علي أيديهن ووجوههن تؤكد طبقات المحو لهويتهن. تحويلهن إلي مشاريع قربانية تحاول نشأت عبرها ان تطرح مفاهيم الاستشهاد والهوية والحرية وصوت المرأة حين تفتح فمها -مقارنة بالرجل المغني- فلا يخرج سوي أصوات مشوهة كمحاولات بكماء للكلام وهي عكسه بلا جمهور. نشأت هدفها إحداث صدمة سياسية شعرية جمالية باللقطة وتنجح في هذا. وهناك المصورة الإيرانية شادي غاديريان التي تضع نساؤها الشادور "الحجاب الإيراني" ولو مزركشا ثم تضع مكان الوجه المغطي احدي الأدوات المنزلية اليومية كمكواة أو براد شاي. أحيانا تجعل المرأة بالشادور القديم تمسك علبة بيبسي. انها المسافة الصادمة بين المجتمع القديم ومظاهر العصر الحديث. "ودور المرأة المحدد فيه بأدوات منزلية ودلالتها"". الجسد في التصوير الفوتوغرافي لدي جواد منتظري يعني الإقصاء. النساء كتل بصرية سوداء أشبه بالأعمدة أمام شيخ معمم أو كنصب تذكارية ناتئة. منتظري يريد إبراز المسافة التي تبلغ حد الإعاقة بين زيهن وحركتهن وبين الطبيعة. في مجموعته "علي الأطراف". لافتات الخميني تطرد النساء علي الجوانب منكسرات.. مشغولات بلملمة الشادور لتكفينهن. فائضات عن المشهد وعن الحاجة هن غير مدركات أنهن المشهد. حتي الجرافيتي علي جدران الشوارع يحوي المحجبات فقط يتطلعن إلي أعلي لكن منتظري يجعل الرجل العابر كتلة مشوشة الهيئة لا يستدل علي ملامحها الجسدية أو وجهه. ومثله المصورة مهرانا أتاشي حيث مجموعتها "بلا جسد" تركز علي معاني تدين وفحولة جسد الرجل يمارس رياضات إيرانية تقليدية في تصوير ليس مفاهيميا هنا حرية التعبير عن الرغبة الأنثوية في جسد ليس محرما تغطية الجزء الأعلي منه. بالاحتيال الجمالي يمكن تمرير التعبير عن الرغبة.
يظل الجسد عاتيا كلما تمت تخبئته. يزداد تحديا بحرية الروح مع كل حصار.

اضيف بتاريخ: Monday, June 4th, 2012 في 13:25

كلمات مجلة أدب:

تواصل مع المؤلف

رسالتك:
اسمك المستعار:

بريدك الالكتروني:

ادخل حاصل جمع 4 + 0 بالاسفل:
 

شارك بالتعليق الآن