غادة نبيل

نقد ادبي

حكايات من إيران

"ما معني الثورة إذا لم أُمَكن من الرقص؟" جملة النسوية الروسية الشهيرة إيما جولدمان في القرن التاسع عشر. عاشت بدلالتها المتجددة في القرن العشرين وتنتقل لقرننا بسبب تفاوت وتناقص الحرية المستمر. تذكرتها وأنا أشاهد فيلم فيديو لراقصة إيرانية ترقص كفراشة محلقة ليلا في شوارع بلادها الجبلية معتمدة مع الخلفية الموسيقية فقط علي ضوء أعمدة الإنارة.
متحف طهران للفن المعاصر الذي أنشأه شاه إيران وفرح ديبا قبل اندلاع الثورة التي قام بها الشباب ونزل عليها الإمام الخميني من باريس يقدم قصة حزينة.
هناك أكثر من 1500 لوحة وعمل فني عالمي في قبو المتحف منذ عام 1979م تم تخزينها ولم يسمح للمذيعين الأمريكيين بإجراء مقابلات مع موظفي المتحف بشأنها. فقط سمح للمذيعين هؤلاء بمشاهدتها وتصويرها لتعود مصفوفة في بانرات رأسية متوازية كذبائح منسية متلاصقة ليست صالحة لأعين الإيرانيين ولم يتغير ذلك الوضع إلا مرة واحدة عام 2005 تحت حكم خاتمي ثم عاد الفن للحبس. منذ عام 1979م ينظر النظام الإيراني لأعمال موانيه وبيسارو ورينيه ماجريت وجاكسون بولوك ومجموعة بازاريللي وبيكاسو وخوان ميرو ومجموعة أندي وارهول عن ماوتسي تونج علي أنها أعمال "هدامة" حتي الأعمال التي لا تصطدم بايدلوجية النظام و "الشريعة" الإسلامية تم دفنها في قبو المتحف لأنها تمثل الفن التجريدي أو التكعيبية وغيره مما حكم عليه الحرس الثوري الإيراني والملالي. حين حاولت أنا إجراء حوار مع فنانة تشكيلية إيرانية متميزة أحببت أعمالها واكتشفت تلك الأعمال بجهودي الذاتية "شيرين بيلهفاري" اعتذرت الفنانة موضحة أن "هذا خطر" .في إيران يمكن للمرأة قيادة السيارة لكن لا يمكنها ركوب دراجة. يمكنها العزف والغناء ضمن كوال لكن لا يمكنها الغناء منفردة. لا مطربات هناك.. إما الهجرة أو الصمت أو التواؤم مع متطلبات عكس الحرية والخيال الفنيين. لا يمكن للإيرانيات ممارسة التزلج بدون محرم.
بارفيز ياحقي موسيقار إيراني كان مؤلفا للموسيقي وعازفاً للقيثارة "1936-2007" وكان أحد أهم موسيقي بلاده وعمل في إذاعتها الرسمية 20 عاما ثم استقال منها قبل الثورة الإيرانية ليكون الاستديو الخاص به. ياحقي كان قد ألف مئات المقطوعات الموسيقية في الستينيات والسبعينيات من القرن العشرين لكبار مطربي ومطربات بلدة وتزوج من إحداهن "حميرة". لما قامت الثورة وتم منع النساء من الغناء هاجرت حميرة فيما يعد لجوءاً سياسيا مع غيرها من أصحابه إلي الولايات المتحدة وبقي هو. اعتقلوه واستجوبوه ثم اطلقوا سراحة. لكن حين نشبت الحرب العرقية الإيرانية حاول النظام الإيراني تكليفه أو دعوته لتأليف موسيقي "وطنية" فاعتذر.
كيف يكون الفن بالطلب؟ كيف يتم تحديد مواصفات سياسية ومعايير أخلاقية أيدلوجية للفنان؟ ما مستوي ونوع الفن الملتزم الذي قدمت لنا أنظمة أخري شواهد عليه؟.. بماذا يشعر الفنان بعد تحديد مواصفات وأطر لخياله؟.. هل يستجيب الخيال بعد طول بتر؟.. الفاشية الرسمية الدينية في إيران اعتذرت للفنان الكبير بعد موته فقط باقتناء الدولة لأجهزته الموسيقية. لكنها لم تعتذر للفنانات والفنانين الإيرانيين الذين مازالت تلاحق أعمالهم بدعاوي دينية كما حدث في تهديد فنان راب إيراني بالقتل حاليا "يعيش في ألمانيا" لاتهامه بالتعدي في أغنية له علي أحد أئمة الشيعة. النظام الديني الإيراني لم يعتذر للشعب الإيراني نفسه لكونه قرر بالنيابة عنه وبقوة حزمة القوانين الإسلامية ماذا يحق لذلك الشعب ممارسته وسماعه وارتداءه.

اضيف بتاريخ: Monday, May 28th, 2012 في 03:06

كلمات مجلة أدب: , ,

تواصل مع المؤلف

رسالتك:
اسمك المستعار:

بريدك الالكتروني:

ادخل حاصل جمع 7 + 6 بالاسفل:
 

شارك بالتعليق الآن