هو رجل ولد في قرية أبوالنمرس بمحافظة الجيزة في 2 يوليو 1918 ليثور في زمن السبعينيات من القرن العشرين على حاكم مصري اسمه محمد أنور السادات.. وطبعا كان من أكثر الأمور توقعا ان يتم سجنه.. الشيخ "الضرير" إمام الذي ولد باسم إمام محمد أحمد عيسي في عائلة مات منها سبعة من الذكور وعاش هو.. منذ أيام حلت ذكري وفاة الرجل المصري الضرير الذي رثي جيفارا بعد أعوام.
كأنه بطل في رواية يحيي حقي "قنديل أم هاشم" سيقضي الجهل والمرض بالرمد الحبيبي ووصفات العقول الملغية على بصره لكي يعوض روحه بحواسه كلها وخاصة حين تمتد يداه إلى أوتار عوده ليعزف لمحبوبته المستلبة مصر.. تحصل أذناه على حقها في المتعة والتعويض وحب الحياة وفعل الفن.. يهرب من قسوة الأب ومن معايرة الأطفال القساة ضحايا الجهل مثله حين يسخرون من عمي عينيه إلى مواسم الغبطة وحنان الفن حيث الموالد وغناء العابرين في الأفراح والحج يسمع أغنيات النساء يعاني من ضرب الأب القاسي الذي لم يردعه عمي ابنه عن قسم القسوة الذي نادرا ما يحنث به الآباء الذين يريدون أولادا يفخرون بهم وحسب.
ستلعب الصدفة دورها في حياته في لقائه الأول بالشيخ الحريري أحد كبار علماء الموسيقي والذي علمه هذا الفن أو حين اصطحبه الحريري ليتعرف لاحقا على قامة في حجم زكريا أحمد الذي احتاج لإمام بسبب قدرة الثاني على حفظ الألحان لولا ان تسرب ألحان زكريا أحمد لأم كلثوم إلى الشارع قبل ان تغنيها كوكب الشرق هو الذي أفشل استمرار التعاون. يتعلم امام العزف على العود وينفض عنه ثياب الأزهري وتهديه الصدفة مرة أخري تعارف العمر مع من سيصبح رفيق دربه الشاعر أحمد فؤاد نجم عبر جار لإمام يحسب قريبا لنجم ثم ينضم لهما محمد على عازف الإيقاع. سيبدأ الثلاثي في تشكيل الوجدان الثوري لما يمكن اعتباره الفن السري عبر كاسيتات كان يتم تسجيلها وتداولها بين المصريين في الداخل وفي البلاد العربية في حقبة السبعينيات من القرن العشرين كما يحدث مع كثير من الفن والغناء المحظور نسبياً وعلى بعض المطربين اليوم في إيران بوسائط تكنولوجية أكثر تقدما.
ارتبط اسم امام ونجم بنجوم الفن الثائرين مثل سيد حجاب ونجيب سرور وزين العابدين فؤاد وغيرهم وما بين سخرية من مرارة هزيمة 1967 وصحوة الاعتزاز بالوطن تدفقت آذان المصريين على تخاطف وتسريب الفن المناوئ الذي كان امام ونجم يمثلانه والذي تم سجنهما بسببه. سيأتي وقت -في تاريخهما- تصبح أغانيهما "المباحة" في الإذاعة والتليفزيون ذكري لأنهما سيتعرضان لموضوع ليس بعيدا عما يحدث اليوم ويواجهه المصريون والفنانون منهم بالأخص الاعتراض على أحكام تصدرها السلطة عبر القضاء.
اعترض امام -كما كان حريا به ان يعترض- على الأحكام التي برأت المسئولين عن هزيمة 1967 فكان لابد ان يتعرض مع نجم للسجن فجاء مؤبدا كما ان احدي المرات الشهيرة لاعتقاله كانت بعد أغنية "الست جيهان" من وقت نكسة يونيو 1967 حتى نصرنا في حرب أكتوبر عام 1973 سيكون امام ونجم وجوها وحناجر مسجونة ستظن السلطة انها ارتاحت واقتصت من اجترائهما ودام وهمها هذا حتى اغتيال السادات حين خرج الشاعر والمغني.. المغني سيسافر إلى بلاد لا يستطيع رؤيتها لإحياء حفلات ثم يعود أخيرا ليموت في غرفته بالغورية.
ثم عادت أغانيه تبعثه حيث تبعث الثورات لتبخير غضب وفرحة الجماهير المصرية الثائرة في 25 يناير 2011 فكنا نغني:
اتجمعوا العشاق في سجن القلعة
والشمس غنوة من الزنازن طالعة
اتجمعوا العشاق بالزنزانة
مهما يزيد الفجر بالسجانة
اتجمعوا والعشق نار في الدم
نار تشتعل لما القدم ينضم
واللحم متنتور في رملة سينا
قدم العدو غارسة في لحم ترابي
والمخبرين خارجين كلاب سعرانة
مصر النهار يطلقنا في الميادين
مصر الشموس الهالّة من الزنازين
مصر الجناين طارحة مين يقطفها
مهما يطول السجن مهما القهر
اتجمعوا العشاق في باب الخلق
ومصر غنوة مفرعة في الحلق
مهما يطول السجن مهما القهر
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر
نارتحرق الجوع والدموع والهم
لما الأيادي تفور في لم اللحم
والكدب بيحجز على أيادينا
والكدب عشش مخبرين على بابي
بيجمعوا العشاق في الزنزانة
مصر البكا.. مصر الغنا والطين
هالة وطارحة بدمنا بساتين
مصر الجناين للي يرفع سيفها
مهما يزيد الفجر بالسجانة
مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر؟
فنجيب نحن المليونيين بحنجرة واحدة "ولا حد"!
غادة نبيل
سيرة حياة
الشيخ امام : جيفارا طبعا لم يمت
اضيف بتاريخ: Monday, June 11th, 2012 في 00:50
كلمات مجلة أدب: احمد فؤاد نجم, الشيخ امام